الصفحة الرئيسية  رياضة

رياضة من غرائب الزّمـن، أن يصبـح الـولاء «للجمعيـة» والأحزاب السياسية أكبر من الولاء للدّولة والوطن

نشر في  23 أفريل 2014  (12:36)

دخلت الرياضة التونسية في منعرج خطير وجب التوقف عنده قبل فوات الأوان، خصوصا بعد أن انتقلت العدوى من السّاسة والأحزاب السياسية إلى الجماهير الرياضية التي باتت -على ما يبدو- وسيلة وأداة لتحقيق مكاسب حزبية وإيديولوجية ضيّقة، وقد سمعنا وشاهدنا في عديد المقابلات والمناسبات دعوات ولافتات لا تخلو من الشعارات السياسة وحتّى من التحريض في بعض الأحيان ليتأكد أن ما يحدث في الملاعب لا علاقة له في كثير من الأحيان بالكرة بقدر ما هو نتاج احتقان اجتماعي وسياسي واقتصادي، ألقى بظلاله على الرياضة وأثّر على سلوكيات وتصرّفات عدد لابأس به من الجمهور الذي بات حبيس ورهين هذه الممارسات التي سبق وأن أشرنا في عددنا الفارط إلى أنها تكرّس الجهويات وتُعيد نعرة العروشية التي حسبناها ولّت وذهبت دون رجعة. ذلك أن الإنتماء للجهة أصبح يمرّ قبل الانتماء والولاء للوطن، والانتماء للمدينة والفريق والحُومة والقبيلة والعرش قبل الوطن والمنتخب، هذا علاوة على ما أصبحنا نلاحظه من ولاءات للزعامات السياسية الحزبية أو الدينية أو الأيديولوجيات الشيء الذي يمكن أن يهدّد الوحدة الوطنية ويدمّر الوطن.
والظاهرة إذا نظرنا إليها بمفهومها الشامل سنلاحظ أن الكثير من اللاعبين يكون ولاؤهم لأنديتهم أكثر من ولاِهم للمنتخب الوطني، بل هناك من الجماهير المريضة المتعصّبة من تتمنّى هزيمة المنتخب أمام المنافس بتعلّة غياب لاعبين من نواديهم في التشكيلة أو بسبب الكره الذي يكنّونه للاعبين دوليين من الفريق الذي ينافسهم في الدوري، يحدث ذلك في كرتنا حتى صار حقيقة لا ينكرها إلا المنافقون المتلوّنون الذين يغطون الحقيقة فيحوّلون الأسود الداكن إلى أبيض ناصع!!
بعد 14 جانفي استفقنا على ظاهرة خطيرة وغريبة أصبح معها عدد من الأفراد يذوبون ويلغون أنفسهم أمام الحزب والزعيم, وأصبح الولاء عندهم للزعيم والمسؤول ومعالي الوزير قبل الولاء للوطن لأن الولاء لهؤلاء يكفل لهم الغنيمة وتدفق الخيرات وتحقيق المصالح والمكتسبات. من هنا يكون التفريط في حق الوطن الذي يصبح الولاء له يأتي في الدرجة الثالثة أو الرابعة بعد النفس والقبيلة والفريق والزعيم السياسي أو رجل الدين، خصوصا أن الخطأ بحق الوطن والإعتداء على حقوقه المادية والمعنوية أصبح أمرا مشروعا ومغفوراً عند هؤلاء في ظل ضعف الدولة وتراجع هيبتها، وبالتالي كثيراً ما تهمل المصلحة العامة أو يتم توظيفها وتوظيف مواردها من أجل إثبات أكبر قدر من الولاء لهذا الحزب أو ذاك الفريق أو هذا الزعيم وتلك الإيديولوجيا أو حتّى الخطاب والرأي.. فبات التنافس على أشده بين هؤلاء لمن يحقق أعلى درجة من درجات الولاء، وأصبح الوطن والاعتزاز به والنخوة بالانتماء اليه آخر ما يفكّرون فيه ويضعونه في الحسبان، وعندما يغيب هذا الواعز الوطني نجد أنفسنا في دولة الولاء وفي ثقافة تقوم على مبدأ (دبّر راسك) ينحاز فيها الموالون ضد الوطن خدمة لمصالحهم التي عاشوا عبيداً لها.
لقد بات الولاء للجمعية والأحزاب السياسية وللقبيلة والطائفية من القضايا الهامة والخطيرة التي يعاني منها المجتمع التونسي في هذه المرحلة الانتقالية الحرجة التي اخذ فيها نفوذ هؤلاء يزداد يوما بعد يوم بحيث تتحول احيانا الى بديل عن القانون ومؤسسات الدولة وهو ما يهدد هيبتها ووحدة المجتمع وأمنه واستقراره، مثلما يهدّد وحدة نسيجه الاجتماعي والاخلاقي وكذلك شبكة العلاقات الاجتماعية التي تربط بين مكوناته الاجتماعية.
لذلك أصبح طرح اشكالية الدولة والهوية وروح المواطنة للبحث مسألة على غاية كبيرة من الأهمية وجعلها أولوية الأولويات خصوصا في ظل بروز حركات وجماعات مختلفة وفرت مجالاً خصباً لتقوية وإعادة النعرة العشائرية والنزعات الإيديولوجية والطائفية وإعادة انتاج القيم والأعراف والعصبيات العشائرية والتقليدية باسم التنمية أحيانا وبتعلّة الظلم والحرمان والنسيان مما ساعد على ترسيخ القيم والعصبيات الجهوية والقبلية والطائفية والمحلية على حساب القيم والأعراف الحضارية والديمقراطية، وحلّ الولاء للجمعية الرياضية وللأحزاب السياسية وللقبيلة والطائفية مكان الولاء للدولة والوطن، وهو ما يعدّ خطرا ما بعده خطر.
بقلم: عادل بوهلال